الاثنين، 19 سبتمبر 2011

تعالوا نتكلم بالعدل

لقد انقسم الناس إالى فسطاطين ,فسطاط "دين" وفسطاط آخر... ),هذا حالنا كما وصفه الشيخ محمد حسنين يعقوب في خطبته المثيرة للجدل (غزوة الصناديق)..هو تعبير قاسي وصادم ولكنه واقعي للأسف الشديد..

وهذا بفضل الجدل العقيم بين الاسلاميين والعلمانيين....

لقد بعدنا عن قيم ومبادئ ميدان التحرير,كرامة وحرية وعدالة اجتماعية , وتركنا حلمنا في اقامة دولة العدل والحرية...

على رغم أننا جميعا متفقين على أساسيات وبديهيات دولتنا جديدة ,تركنا غرس البذور وهرعنا لقطف أول ثمار (الدستور ) لأول شجرة في الأرض الجديدة ...

ولهذا سأنقل لكم مقتطفات من مقال المفكر الاسلامي البارز الأستاذ فهمي هويدي (حول تطبيق الشريعة ) من كتابه (المقالات المحظورة)...لعلنا نصل لحل لهذا الجدل الدائر بين الاسلامين وغيرهم ونُرحَم من الاتهامات التي على شاكلة المتاجرة بالدين وخيانة دماء الشهداء والتكفير ..

يقول الكاتب الكبير :
((إذا كان الحديث عن تطبيق الشريعة الاسلامية يواجه بتوجس من جانب بعض المثقفين ,فإنه بواجه بمشكلة اكبر من داخل الصف الاسلامي ذاته,خصوصا من جانب المتعجلين الذين يضغطون بشدة -وأحيانا بقسوة- للاسراع في الخطى وقطف الثمار ,بعد اختزالهم تطبيق الشريعة في استصدار بعض القوانين وتعميم بعض النواهي والزواجر.
وهي مشكة اكبر ,لأن ماتشيعه النخب المتوجسة لا يتجاوز حدود التعبئة الإعلامية,و((الكلام)) الذي يمكن أن يحبطه النموذج الإيجابي و الأداء الرصين.
بينما تلك الضغوط الصادرةعن الصف الإسلامي تكاد تهدر النموذج ,وتربك الأداء بصورة يصعب علاج آثارها ,فضلا عن أنها تعد هدية مجانية للمتشككين والمتوجسين ,تعزز مخاوفهم و تثبت صدق دعواهم.

بعد ذلك التقديم : سأركز على نقطتين :إحداهما نظرية و الثانية عملية .

الأولى تنصب على مفهوم تطبيق الشريعة و تصور كيفية مباشرة ذلك التطبيق,والثانية تتعلق بأولويات التطبيق.

**فليس صحيحا ان تطبيق الشريعة ينحصر في مجرد استصدار بعض القوانين واللوائح ,أو حتى تعديل الدستور.فمن الممكن ان يتم ذلك كله و تظل روح الشريعة غائبة و مقاصدها غائبة,ذلك أن القانون واللوائح هي مجرد وسائل لتطبيق بعض جوانب الشريعة .و ما لم توصل هذه الوسائل إالى المقاصد المرجوة ,ومالم تتصل القوانين بنسيج القيم السائدة في المجتمع ,فإن التطبيق يصبح بغير مضمون حقيقي.

عصور الانحطاط في التاريخ الإسلامي نموذج يعزز ما نقول ,فقد كانت الشريعة بمفهومه القانوني والشكلي مطبقة على أتم مايكون ,لكن الذي ظل غائبا ومفتقد هو المقاصد والقيم .ويمثل (العدل)المحور وحجر الساس في تلك المقاصد ,باعتباره هدف الرسالة الرئيسي بنص القرآن الكريم.قال تعالى :((لقد أرسلنا رسلنا بالبينات و أنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ))-الحديد:25.
إن ابن القيم -الأصولي المعتبر-أشار الى تلك الآية وهو يثبت هذا المعنى ,ثم قال :ان القسط ((هو العدل الذي قامت به السموات والأرض ,فإذا ظهرت أمارات الحق وقامت أدلة الحق ,وأسفر وجهه باي طريق كان ,فثم شرع الله ودينه و رضاه وامره)).

ابن تيمية له كلام نفيس في هذه النقطة فقد قرر أن ((أمور الناس تستقيم في الدنيا مع العدل الذي فيه الاشتراك في انواع الإثم,أكثر مما تستقيم مع الظلم في الحقوق,وإن لم تشترك في إثم)).ولكي يعزز كلامه ,فإنه استشهد بمقولة :إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة ,ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة,وبقوله:إن الدنيا تدوم مع العدل والكفر و لاتدوم مع الظلم والإسلام!

هكذا ,فإن تطبيق الشريعة ينبغي أن بفهم بحسبانه إقامة للعدل بجمبع صوره في السياسة والاقتصاد والاجتماع ,و إذا ما اقترن تطبيق الشريعة بظلم من أي نوع ,في أي من تلك المجالات ,فذلك يعني بشكل مباشر تغييب جوهر الشريعة ومقصودها .

الشريعة في الأساس هي مجموعة من القيم الحضارية والأخلاقية و العملية ,قبل أن تكون مجموعة من القوانين.
........................
.......................
**من هذه الزاوية ,أحسب أن تربية المجتمع على قيم الإسلام أولى بالاهتمام من استصدار التشريعات ,أو تصحيح اللوائح بحيث تصيح مطابقة لتعاليم الإسلام.وليس ذلك إقلالا من شان التشريعات والقوانين التي لاغني عنها بطبيعة لحال,ولكنه دعوة إالى ترتيب أولويات التطبيق على نحو سليم,يضع كل مهمة في مكانها المناسب ,المعبر عن فلسفة الرسالة وحقيقى مشروعها الاصلاحي وحقيقة مشروعها الإصلاحي والحضاري.(ملحوظة:أري تشابها في هذا الكلام مع مقولة الشيخ الشعراوي رحمه -بعيدا عن الثائر الحق-أتمنى ان يصل الدين إلى أهل السياسة ولايصل اهل الدين إلى السياسة)

**هذا عن التفكير في تطبيق الشريعة و ضرورة فهمه على نحو صحيح.أما كيفية التطبيق,فهي عملية مركبة و أكثر تعقيدا مما يتصور المتعجلون ,الذين يريدون غرس البذرة في الصباح وقطف الثمرةفي المساء........
في الإجابة عن السؤال ((كيف؟))هناك عدة مبادئ ومنطلقات يسترشد بها هي:

*أن الذين يباشرون التطبيق يجب ان يكونوا على وعي بأن رحلة التغيير الاجتماعي -التي تمثل القيم محورها الأساسي-طويلة وممتدة.ومن ثم فمهتهم الرئيسية هي غرس البذور الصحيحة ,وليس من مسئوليتهم جنى الثمار.

*أن التدرج في المسيرة هو من السنن واجبة الاحتذاء.وقد ووجه الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز بموقف من ذلك القبيل حيث تمهل في التعامل مع بعض الانحرافات التي ظهرت في العصرالأموي ,إذ ساله ابنه عبد الملك عن سبب ترويه و تريثه ,بينما الحق واضح والحسم لصالحه ضروري.عندئذ كان رده:((لا تعجل يابني,فإن الله ذم الخمر في القرآن مرتين وحرمها في الثالثة .وإني اخاف أن أحمل الحق على الناس جملة ,فيدفعوه جملة,ويكون من ذا فتنة)).

*أن مبدأ الضرورات تبيح المحظورات يجب أن يكون محل اعتبار في التنفيذ.وهذه الضرورات معترف بها شرعا وحقا على الصعيد الفردي.لكن هناك ضرورات سياسية واقتصادية واجتماعية و دولية يمكن أن تفرض نفسها على المجتمع الإسلامس,بحيث قد لايكون هناك مفر من التعامل معها والتسليم ها إالى حين توافر ظروف مواية لتغييرها.
وثمة مبدا آخر يتمثل في السكوت على المنكر إذا ترتب تغييره منكر أكبر منه ,دفعاً لأعظم المفسدتين وارتكابا لأخف الضررين.وهو مبدا قرره الفقهاء الأصوليون الذين ادركوا بعبقريتهم المشهودة مدى تعقيد عملية ال÷صلاح,وكون التحدي الحقيقي فيها لا يتمثل فقط في الخيار بين الخير والشر ولكنه كثيرا مايكمن في الإختيار بين شرَّين.

في صدد أولويات التطبيق ,كان عندى اقتراح محدد,وهو أن على الذين يعملون على تطبيق الشريعة الإسلامية أن يدخلوا بها حيز التطبيق من باب الحرية والديموقراطية أولاً)).

أخيراً,أصدقائي,أود أن الفت نظركم أن هذه المقالة كتبها الأستاذ(فهمي هويدي) في 12/4/1994!!!!
شوفوا الراجل ده كان بيهاتي في الموضوع ده من امتى!!!
لا تفرقوا فتذهب ريحكم..

القاهرة
 يونيو 2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق